أخبار عاجلة

المساءلة والعدالة في بومباي

IMG-20240116-WA0004-295x300 المساءلة والعدالة في بومباي
المساءلة والعدالة في بومباي

ياسين العطواني

في حادثة لا تخلو من الغرابة أقدَم أحد المهووسين في مدينة بومباي الهندية بتعليق صورة (الفوهرر) أدولف هتلر على واجهة المطعم الذي يمتلكه، وما ان أطل الفوهرر بطلعته (البهية) على الماره حتى قام الناس بالأحتجاج على ذلك التصرف مما أدى بهذا المهووس الى نزع تلك الصور مُجبرا ً، وهذا الأحتجاج يأتي بعد مرور أكثر من سبعة عقود على نهاية الحقبة النازية . لقد استوقفتني هذه الحادثة كثيرا ً وانا استعرض المشهد العراقي بكل تداعياته، لا سيما مطالبة البعض ألغاء ذاكرة العراقيين عن حقبة تاريخية سوداوية لم يشهد لها تاريخ العراق مثيلا ً، رغم أمتداد هذا التاريخ لأكثر من عشرة آلاف سنة. وعلى الرغم من ان مدينة بومباي لم تكن بجوار برلين أو بون، ولم تكن كذلك ضمن ( المجال الحيوي ) للأستراتيجية الألمانية، وبالتالي لم تكن تحت تأثير الصدمة العنيفة لقنابل ومدافع ودبابات النازية، وكل ما وصلهم كان عبر كتب التاريخ والروايات المتواترة، ومع ذلك جاء هذا الرد السريع والعنيف لأهالي بومباي الطيبيين على مجرد أثر يرمز لحقبة تاريخية مظلمة هم غير معنيين بها بصورة مباشرة.
وفي حادثة أخرى لا تقل أهمية عن حادثة بومباي، وهذه المرة في بلد المنشأ وأقصد به المانيا نفسها، فقد اعترف الأديب الألماني غونتر غراس الحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1999 والذي يلقب بضمير الأمة النابض، بأنه كان قد أنتمى في مطلع شبابه الى أحدى الوحدات الألمانية الخاصة، ويبر ذلك بأنه كان صغير السن ولم يطلق رصاصة واحدة في حياته، ومع ذلك لم يُشفع له هذا الأعتراف ، فقد تعالت الأصوات في ألمانيا مطالبة ً بسحب هذه الجائزة وإلغائها. وهناك الكثير من الشواهد التي تُدين وتُجرم كل من له علاقة بصورة مباشرة أو غير مباشرة بالحقبة النازية، أو يروج لتلك الطروحات والأفكار النازية.
وهنا السؤال الذي نود طرحه على الجميع ، ماذا يقول أهل العراق لأهل بومباي، والى ضمير الأمة النابض ( غراس) في ألمانيا، عن تلك التراجيديا التي ألمت بهم والتي لم تنته فصولها بعد؟ . إن الشيء الملفت للنظر في هذا الأمر هو ان ردود الأفعال العنيفة والمستهجنة هذه قد جاءت بعد مرور عشرات السنين على نهاية الحرب الكونية الثانية وأنتهاء آخر فصول النازية، وأهل العراق لم ينتهوا بعد من لملمة عظام ضحاياهم المتناثرة في طول البلاد وعرضها، ولم تزل عشرات المقابر الجماعية لم تُـفتح بعد، ولازال لباس السواد يوشح الثكالى والأرامل، ويأتيك من يطالب بتناسي تلك الركامات الثقيلة بين ليلة وضحاها، وكأن الأمر لا يعدو ان يكون (غلطة شاطر ).
اننا لا نريد من وراء هذه المقارنات التاريخية أجترار آلام الماضي بكل تداعياته ، او الوقوف والبكاء أمام الأطلال طويلا ً، ولكن في الوقت الذي ندعو فيه الى تبني مفهوم التعايش العلمي، وأجواء المصالحة الوطنية، وأن من أسباب نجاح هذه المصالحة هو توفير البيئة الملائمة لإنجاحها، وهذه البيئة تقتضي حرمة أصحاب الدماء التي نزفت على هذه الأرض، وأحترام مشاعر ذويهم، من خلال مفهوم الثواب والعقاب وهو المفهوم المعتمد من قبل السُنن الألهيه والقوانيين الوضعية ، عندها يمكننا البحث عن القواسم المشتركة التي تجمع ولا تفرق وهي كثيرة في بلادنا ، وهذا القواسم هي بمثابة سفينة النجاة والتي من خلالها نصل جميعا ً الى بر الأمان .
ان المراد من سوق هذه الأمثلة لتجارب الشعوب والأمم التي حــّرمت الأفكار المنحرفة من ان تسود داخل مجتمعاتها هو للأستفادة من تلك التجارب ، وهذا ما يجب ان يسود في مجتمعنا في تعامله مع البعث كحزمة جرمية شاملة، مرفوضة إجتمعيا ً وتربويا ً وثقافيا ً، قبل ان يكون الأمر دستوريا ً وقانونيا ً. وأذا ما تحقق ذلك فأن أثره الإيجابي سينعكس على جميع مناحي الحياة وفي المقدمة منها المنحى السياسي في البلاد ، وبطبيعة الحال فأن تحقيق هذا الهدف ليس بالأمر الهين ، بل يتطلب أسس قانونية ودستورية واضحة ، إضافتة ً الى أرضية صالحة حتى تتبلور تلك المفاهيم الجديدة في بلادنا ، ونعتقد ان أفضل بيئة ملائمة يمكن ان تستثمر بشكل صحيح هي المؤسسات الثقافية والتربوية .

عن يونس العراف

شاهد أيضاً

لا عودة للبعثيين والفاسدين والطائفيين

لا عودة للبعثيين والفاسدين والطائفيين بقلم: الحاج طالب الساعدي الأمين العام للانتفاضة الشعبانية المباركة الانتفاضة …