جمال المناطق يُذبح على مقصلة الاستثمار …”التجريف من أجل البناء” يحوّل بغداد الى كتل كونكريتية سكنية


يونس جلوب العراف…
لم يكن علي هاني يتوقع ان يتحوّل متنزه حيهم الى بنايات سكنية، بعد ان كان المتنفس الوحيد لأطفال المنطقة، والسبب هو قدرة المستثمرين على شراء الأراضي من أمانة بغداد والدوائر الأخرى تحت عناوين الاستثمار، ولذلك كانت الحسرة هي الجواب الوحيد على اسئلته تُجاه ما يحدث من خنق للمناطق السكنية نتيجة مصادرة الحدائق والمتنزهات من قبل أناس، لا هم لهم سوى جمع المال مهما كانت النتائج.
ان ما يتحدّث عنه علي موجود في مناطق أخرى، إذ ان الحال ذاته تكرر مع سكان آخرين في منطقة الطالبية شرقي العاصمة أيضاً، بعد أن عاشوا الصدمة بين ليلة وضحاها، حيث يقول المواطن احمد غالب، ان “أحد المستثمرين قام بتحويل منطقة خضراء تتوسط منازلهم إلى هيكل بناء، دون أن يجدوا جواباً بشأن من هؤلاء ومن أعطاهم الحق بـ”تصحير” منطقتهم التي تعودوا على وجود المساحات الخضراء فيها، منذ طفولتهم وفقدوها في كبرهم”.
وأصبح الموضوع يتحدث به القاصي والداني وعلى مختلف المستويات، فعلى مدار أكثر من عقدين، شهدت العاصمة بغداد ومدن أخرى، تجاوزات كبيرة على التصاميم الأساسية والاستيلاء على بعض المساحات الخضراء، وتحويلها إلى مبانٍ تجارية وسكنية، مما تسبب بحالة من الاختناق السكاني والتشوه العمراني وإرباك في مستوى الخدمات، ذلك ما أكده المواطن سالم خلف، وأضاف: ان “المناطق التي فيها “استثمار” للأراضي الخضراء وعمليات الاستيلاء على تلك الأراضي بقوة المال، تسبب بظهور مدن ومناطق صارت تشكل أكثر من 30% من مجموع المشيدات السكنية في العاصمة بغداد.
وبالعودة الى علي، فإنه يرى ان “البلاد تعاني أزمة سكن خانقة، تسببت بانتشار العشوائيات واضمحلال المناطق الخضراء، لكن هذا لا يجب ان يجعل البعض يقوم بالسعي لتجريف أراضٍ زراعية وتحويلها إلى مشاريع تجارية أو بيعها لأغراض السكن في بغداد والمحافظات، فلكل شيء حدود ومحددات كما يقولون”.
أحمد يشارك في الحديث عن الظاهرة مرة أخرى، فيقول في تشخيص دقيق: ان “عمليات الاستيلاء على الأراضي الزراعية وتحويل جنسها، برزت خلال السنوات العشر الأخيرة، وبشكل واضح وجلي، مما أفقد بغداد الكثير من مساحاتها الخضراء والأحزمة التي تطوق مداخلها حتى حولت عمليات “التجريف من أجل البناء” بغداد الى كتل كونكريتية سكنية، في مشهد يثير الحسرة على جمالية ما كانت تتمتع به بعض المناطق من جمال ذُبِح ومازال على مقصلة جديدة اسمها الاستثمار” .
ومن الغرابة، ان الدوائر الحكومية المختصة تعلم بالظاهرة، من دون ان تحرك ساكناً تُجاه ما يحدث، حيث كشفت وزارة الزراعة في آب ٢٠٢٣، عن فقدان البلاد لأكثر من 82 ألف دونم زراعي، نتيجة لما وصفتها بـ”عمليات تجريف ممنهجة” تستهدف الأراضي الزراعية والبساتين، مما تسبب بارتفاع معدلات التصحر وقلة الإنتاج الزراعي، في مقابل زيادة البناء السكني، على الرغم من ان المختصين يقولون، إن “نسبة المساحات الخضراء، يجب ألا تقل عن 50% من مجموع الكتل البنائية في أية مدينة، ويحذرون من كارثة عمرانية واقتصادية، ما لم نجد حلولاً ومعالجات علمية وعملية للحفاظ على ما تبقى، مع أن فرص العودة بالمدن إلى حالة التعافي صعبة جداً”.
ويرى خبراء، ان “هناك ضرورة في أن تكون للحكومة قرارات أكثر جرأة في موضوع الزحف على الأراضي الزراعية والتجاوز على المباني والعشوائيات وغيرها”.
ويشيرون إلى “وجود حالة من التواطؤ، إزاء ما حدث ومازال يحدث في هذا الملف الحساس، يستدعي من الجهات التنفيذية، التدقيق والتحقيق من قبلها تُجاه المتسببين بالتجريف الذي يتم تحت عناوين البناء والاستثمار”.

عن يونس العراف

شاهد أيضاً

المرصد السوري: مقتل أكثر من 1018 مدنياً علويا في عملية أمنية بمناطق الساحل السوري

المرصد السوري: مقتل أكثر من 1018 مدنياً علويا في عملية أمنية بمناطق الساحل السوري هيئة …