العشائر العراقية من رابطة اجتماعية إلى عمود فقري للانتفاضة الشعبانية 1991

images-4-300x172 العشائر العراقية من رابطة اجتماعية إلى عمود فقري للانتفاضة الشعبانية 1991

العشائر العراقية من رابطة اجتماعية إلى عمود فقري للانتفاضة الشعبانية 1991

هيئة التحرير/ رصد نيوز
في ربيع عام 1991، وبعد أيام قليلة من انتهاء حرب الخليج الثانية، تحولت نيران الغضب الشعبي في العراق إلى شرارة انتفاضة واسعة اجتاحت مدن الجنوب والفرات الأوسط، لتفتح صفحة جديدة في تاريخ المواجهة بين الشعب والنظام، كانت تلك الانتفاضة تعبيرًا عن تراكم طويل من القهر والحروب والحرمان، ومع انطلاقها وجد العراقيون في عشائرهم السند الأول والدرع الذي يحميهم، لم تكن العشيرة في ذلك الوقت مجرد رابطة اجتماعية تقليدية، بل تحولت إلى قوة فعلية دعمت المنتفضين بالرجال والسلاح والملاذ، ومنحت الحراك الشعبي عمقًا اجتماعياً لا يمكن تجاوزه.
من البصرة وميسان إلى الناصرية، ومن النجف وكربلاء إلى الديوانية ، برزت مواقف أبناء العشائر واضحة وصريحة، إذ خرج الشباب في صفوف الانتفاضة يتقدمون المواجهة، فيما وفرت البيوت والقرى العشائرية الدعم اللوجستي والحماية للمطاردين والنازحين، بعض الشيوخ أعلنوا انحيازهم العلني إلى مطالب الناس، فحشدوا رجالهم في مواجهة النظام، بينما اختار آخرون لعب دور المساند الصامت الذي يفتح الطرق ويؤمن الملاجئ،هذا التنوع في الأدوار جعل العشائر العمود الفقري للانتفاضة، ومكنها من الاستمرار رغم قسوة الظروف
لم يكن الثمن قليلاً،فقد دفع أبناء العشائر دماءهم في معارك غير متكافئة،آلاف الشهداء سقطوا، وعشرات الآلاف اعتقلوا أو غيبوا في مقابر جماعية ما زال الكثير منها شاهداً على حجم التضحية، حملات الانتقام التي شنها النظام لم تميز بين مقاتل ومدني، بل طالت قرى بأكملها، وأحرقت منازل، وأعدمت شباباً لم تتجاوز أعمارهم العشرين، ومع ذلك استمرت العشائر تحمل لواء الصمود، ولم تفقد مكانتها في ذاكرة الناس كقوة اجتماعية دفعت ضريبة الانحياز للوطن.
بعد قمع الانتفاضة، حاول النظام أن يواجه هذه الحقيقة المرة عبر سياسة مزدوجة فمارس القمع المفرط من جهة، وحاول استمالة بعض شيوخ العشائر عبر الامتيازات من جهة أخرى لكن صورة العشائر كمكون وطني داعم للانتفاضة بقيت حية في وجدان العراقيين، وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من السردية الشعبية للتضحية والفداء.
اليوم وبعد أكثر من ثلاثة عقود على أحداث 1991، يبقى دور العشائر في الانتفاضة الشعبانية شاهداً على قوة التضامن الاجتماعي في مواجهة الظلم، ودليلاً على أن العراق كان وما يزال يستمد صلابته من تماسك مكوناته الأصيلة. فالعشيرة لم تكن مجرد موروث اجتماعي، بل تحولت إلى درع حقيقي للمنتفضين، ومنحت العراق مثالاً خالداً على معنى الفزعة والنخوة في أصعب المواقف.

عن سجى اللامي

شاهد أيضاً

الانتفاضة الشعبانية 1991 ملحمة عراقية في وجه القمع ومسار نحو الحرية

الانتفاضة الشعبانية 1991 ملحمة عراقية في وجه القمع ومسار نحو الحرية رصد نيوز/ العراق في …