رصد نيوز الدولية رصد نيوز
مقالات مشابهة
كامل الدلفي
——-
زوال …….. قصة قصيرة جداً
تجمعوا حوله , احاطوا به محدقين بنظرته الحانية وفمه المزموم بجبهته العريضة التي تشبه جبهة حصان لم يروض بعد . كان بينهم يتلوى ويئن يتضاءل لا يتطاول كعادته , كان ينحسر ويذوب امام ابصارهم , حاولوا ان يسندوه باذرعهم وهي تلتف حوله بصمت واصرار كي لا يفقدوه دونما كلمة تذكر ، حرك يديه وساقيه حركة بطيئة مرتعشة كسعفة ناشفة يذبل ويموت بينهم وحده وهم يشاهدونه يزول ويختفي من امامهم …. يزول ………….
القراءة
——
الزوال قصة قصيرة جدا للقاص والروائي الاستاذ أحمد خلف تمتاز بعمق فكري تستدعي منا التأمل
و التركيز في انتقالات النص بين مثابات الرؤيا. لايفصح النص عن هوية قبلية للشخصية التى أكتسبت دورها كمركز لدوران الاحداث من حولها. وتظل قابضة على ذلك الغموض حتي نهاية يفترضها، إلا أن قراءة متأنية تمنح القارئ فرصة للتأويلِ المفتوح على أكثر من صورة ضنية من غير يقين بات في أي واحد منها، أي أن القراءة تجيز له الاحتمالات جميعها بنفس المقدار من القبول. ويمكن له أن يجزئ طوبوغرافية النص إلى أربعة أجزاء تعينه قرائيا للوصول إلى ممكنات تأويلية متخيلة. الجزء الأول ينساب بين جملتين هما: ( تجمعوا حوله…… لم يروض بعد) لاشك ان النص إذ يختار له مركزا فهو يعلمنا هندسيا بحقيقة شكله الدائري وان دلالات ذلك تؤكدها كلمات مثل ( تجمعوا حوله، وأحاطوا به ..) ويمكن أن نعلل سر تجمعهم حوله بأنه ذو ميزة فاعلة في قانون الجذب أي ثمة تشابه متبادل بينهم وبينه، وإلا لما كانت نظرته حانية والتعريف القومسي للكلمة يدل على سريان التجاذب، بأن واحدة من معاني الكلمة تفيد طلب الاقتراب والدنو مع صدق الوعد والطمأنينة. وفي الجزء الثاني الواقع بين جملتي (كان بينهم… أمام ابصارهم) تلوح علامات الأزمة الممهدة الى الزوال، فأن المتبع يدرك ميزة ما يحدث وأحكام ماتصير إليه النتائج.. بينما يورد في النص تشخيص يدل على انقلاب عكسي في المعتاد من المزايا الفارقة (لا يتطاول كعادته) وجاءت تتمة لمعنى ممهد سابق لها ورد في الجزء الأول وهو( بجبهته العريضة التي تشبه جبهة حصان لم يروض بعد) أي ان كل أدوات الترويض والاقتياد
(الرسن، العنان، اللجام ) لم تفلح معه. وفي الجزء الثالث تبدو سياقات الازمة كأنها تبلغ ذروتها في استجابة جماعية لمنع التلاشي،
والقيام بفعل إنقاذ طقوسي مفعم بالصمت لانبلاج كلمة ما قبل الغياب، كلمة موعودة تعني كثيرا بالنسبة لهم، هكذا يشير السياق المرتكز على كلمة الاصرار.
ويشهد الجزء الرابع تفكيك الازمة بمشهدحركي كشريط فيلمي يسجل نقلات الزوال تحت نظر المحيطين (الجماعة)، الشكل النهائي للمحيط لايخرج عن هندسية الدائرة فهو يدور، لكنه يدور بشكل معاكس حول لاشيء، أو لامركز، اي الأجدر به أن يكون هو لا شيء ايضا. وبذلك تحققت مقولة الزوال الراقد على عتبة العنونة..
