محمد الذهبي
كان يسمى القطاع المتأجج في دوائر الامن التابعة لحزب البعث، يختلف عن باقي قطاعات الثورة، حيث ازدهرت به الحركة الرياضية المصحوبة باجتماعات الحزب الشيوعي في المقاهي التي كانت تمثل مقرات للحزب، ومنها مقهى الثورة، والشباب ينقسم الى جزأين، اما ان يكون رياضيا ويندمج مع الشيوعيين او يكون صديقا من اصدقائهم، او انه ينحرف الى جهة اخرى فيكون صديقا للاقوياء او ( الخوشيه)،شاب يتيم وسيم المظهر فارع القامة يشبه الى حد كبير ممثلي الكابوي في الافلام الاميركية، ظهر على سطح اللوحة بشجار او اثنين، لم يكد ان يختفي بعدها ليعود ملاكما محترفا مكتمل الرجولة بشعر اشقر يطلقه على جبهته، انه وهاب، او هوبي كما كان يدعوه الجميع، كان يشتم حزب البعث في الطرقات وينال منه بعد ان يحتسي بطلا من العرق، لم يكن يعتدي على الضعفاء، وكانت جل معاركه مع الشرطة حيث افتتحت الحكومة مركزا للشرطة سمته مركز شرطة الحبيبية، واجرت له محلين في جامع السبطين، فكان هوبي يضرب الشرطة ويعزّل المركز بانزال (الكبنك)، وحين كان المركز خيمة فكان الامر سهلا على هوبي، مجرد ان يقتلع اوتاد الخيمة ينتهي امر المركز، اغلب الاوقات كان هوبي يقوم بتمريناته اليومية عصر كل يوم في ساحة الاورفلي، وفي الليل لا احد يراه ، حيث يذهب الى غزواته، ليصطحب صباحا كل من يريد ان يلعب ( اربع جعاب) متحديا الشرطة فهو لايهرب كما يهرب المقامرون الآخرون، كنا صغارا وكانت سكة القطار والمزارع تحاذي مدينتنا، فكنا نذهب نتفرج على اللعب ، وكانت تنتهي اللعبة بان احدهم لايعطي للغالب مايريد ويقول: ( كطعة كايم).
وهذه المفردة وحدها تنهي اية نزاعات على الا يعود الى اللعب ثانية، لكن هوبي كان يكطع ويستمر في اللعب، ولا احد يستطيع ان يعترض، بعد فترة وجيزة تسلق هوبي سلالم رياضة الملاكمة، ورشح الى الذهاب الى ايران، على ان تسبقها تصفيات تجرى في كركوك، ولكن هوبي سهر ليلة من الليالي وبحسب كرهه للشرطة، فقد اعتدى على الانضباط العسكري في كركوك، وحرم من الذهاب للعب في ايران، لم يلبث بعدها ان اختفى تماما، وتأتي اخباره بانه محكوم بالمؤبد لانه تجاوز الحدود الى الكويت والقي القبض عليه، ظهر بعد اول عفو بطلعة اكثر بهاء ورونقا ورشاقة قل نظيرها، لينغمس هذه المرة في تحدي الخوشيه من الكيارة الى باقي مناطق الثورة، وبدأ بتسقيط الكثيرين، ولكنه بقي يكره السلطة والشرطة، حتى انه تشاجر مع رجل الامن المعروف في القطاع، ما ادى الى ذهابه للسجن مرة اخرى، وخرج اكثر جهرا بكره حزب البعث، الشيوعيون آنذاك في اوج عظمتهم، استقطبوا غالبية الشباب من عمر عشر سنوات في فرق كرة القدم وكانت مقهى الثورة التي يديرها قاسم بلاسم هي المقر الرئيسي لهم من فريق الزمالك الذي يقوده بشار رشيد لاعب المنتخب العراقي الى الظل الاهلي بقيادة جبار هاشم جبرة الله، الى فريق الصداقة الذي كان يقوده اسماعيل جعفر، الجميع شيوعيون، وكان ان رد حزب البعث في افتتاح مقهى الرسالة بمحاذاة مقهى الثورة لكنها لم تكن ناجحة.
كانت مقهى الثورة تحوي الشيوعيين واصدقاءهم، في حين كانت مقهى الرسالة تحتوي على البعثيين فقط، ما ادى الى عزوف الناس عنها وعدم الجلوس فيها، مقهى الثورة المقهى الوحيد الذي يرفض اعمال العنف ويطرد الشقاوات، وربما كان الشقاوات يحترمون قاسم بلاسم فلايسيئون لاحد عند جلوسهم، فقط قاسم مجمان كان يحاول ان يفرض نفسه هناك لمرة او مرتين وبعدها اختفى، مجموعة من المثقفين كانوا يتصدرون المشهد ويحافظون على هدوء المقهى، اختفى جلهم بعد اعدام بشار رشيد ومجموعة من اصدقائه، فبشار كان شرطيا وحزب البعث اشترط على الحزب الشيوعي باعدام اي عنصر ينتظم في صفوفه ويكون منتميا للشرطة او الجيش، فتوج الجبهة الوطنية باعدام بشار رشيد، انتكست المقهى بعد هذا الحادث ، لكنها بقيت محافظة، هذا الامر تم بعد اعلان الجبهة الوطنية بين حزب البعث والحزب الشيوعي، هوبي لم يزل قويا ويستطيع ان يهزم مجموعة كبيرة، وكان صوته شجيا، مع خجل كبير يبديه اثناء الغناء، لكن في حفلة ختان اولاد اخيه حمل، جلب فرقة موسيقية (شدة)، وراح يطوح بطور سيد محمد:
سجن لاوين تاليته وحدّه…. سلاسل حطوا برجلي وحدّه
عليْ سيفه الدهر سلّه وحده.. نخيتك ياعلي تلحك عليّه
ويصل هوبي الى حد النشوة القاتلة التي تنسيه اعز اصدقائه، فقام بضرب الشقاوات الذين دعاهم الى الحفلة، ومن ثم اجبر الفرقة الموسيقية على العزف حتى الصباح، وبين فترة واخرى يهجم على الجمهور بحربته فيفر الجميع امامه، لم يكد هو بي ان يستعيد انفاسه، فهو يبحث باستمرار عن خليل كلّه وعن زيدان الخوشي، وعن حميد ابو الدكات، لم يهدأ ابدا ولم يكد يمر يوم الا وهوبي في افواه الناس فقد انتصر على الخوشي الفلاني والشقاوة العلاني، حتى جاء الوقت الذي تمت فيه تصفيته بتهمة ملفقة مئة بالمئة، وتم اعدامه في سنة 76 لتنطوي صفحته بهجوم رجال المخابرات التي ملأت سياراتهم الزقاق الضيق الذي كان يسكنه، لنسمع بخبر اعدامه سريعا كالبرق.
شاهد أيضاً
بعد انتشار “وثيقة”.. ما حقيقة زواج بشار الأسد من هذه الفنانة
ردّت النجمة السورية سلاف فواخرجي على شائعة تداولها مستخدمون عبر وسائل التواصل الاجتماعي تتعلق بزواجها من الرئيس السوري السابق بشار …