
حِكَاياتٌ بريئةٌ
 خُطَّةٌ خبيثةٌ
عندما كنتُ في الصَّفِّ الثَّالثِ الابتدائيِّ، كانَ لدَينَا في كتابِنا المقرَّرِ درسُ الوضوءِ، ومازلتُ أذكرُ أنَّ أبي حضَّرَ ليَ الدَّرسَ، فحفِظتُهُ كي أشاركَ معَ الأستاذِ حينَ يشرحُهُ لنا.
عندَما انتهى أبي، قالَ لي:
هناكَ سؤالٌ مهمٌّ لمْ يرِدْ في الدَّرسِ، لاشكَّ سيسألكمُ إيَّاهُ الأستاذُ.
– ما هوَ يا أبي؟
– ماذا لو كانَ الإنسانُ في الصَّحراءِ، ولمْ يجدْ ماءً، كيفَ يتوضَّأُ؟
وبالطَّبعِ لمْ أعرفِ الإجابةَ، فقالَ لي:
يتيمَّمُ، أي يضربُ التُّرابَ بيدَيهِ ضربةً واحدةً، ثم يمسحُ بهِما وجهَهُ وكفَّيهِ.
في اليومِ التَّالي أعطانا الأستاذُ الدَّرسَ، ولمْ يأتِ على ذِكرِ التَّيمُّمِ.
فَحِرتُ في أمري كيفَ أجعلُ رفاقي يعلمونَ أنَّني أعرفُ معلومةً يجهلونَها، فكَّرتُ ببراءةٍ، ثمَّ رفعتُ يدي، وسألتُ الأستاذَ:
ماذا لو كانَ الإنسانُ في الصَّحراءِ، ولمْ يجدْ ماءً، كيفَ يتوضَّأُ؟
فسُرَّ الأستاذُ، وقالَ:
سؤالٌ جميلٌ، منْ منكُم يعرِفُ؟
ولمَّا لمْ يكنْ أحدٌ يعرفُ -من حُسنِ حظِّي- رفعتُ يدِي بثقةٍ، فظنَّ الأستاذُ أنِّي أريدُ أنْ أقولَ شيئًا، وعندما سمحَ لي بالكلامِ، قلتُ لهُ (يتيمَّمُ)، وشرحتُ معناها.
أمَّا هوَ، فكانَ مُندهشًا يستمِعُ ويبتَسِمُ، وربَّما قال في سرِّهِ:
شو خبيثة هالبنت!
وكانَ هذا الأستاذُ قدْ علَّمني في الصُّفوفِ الثَّلاثةِ الأولى، وظلمَني في علاماتِ الشَّفهيِّ في الصَّفِّ الأوَّلِ، والظُّلمُ لا يُنسَى مهما كبرَ المرءُ، بدليلِ أنِّي مازلتُ أتذكَّرُ ملاحظةَ أبي، وخطَّهُ على جلائيَ المدرسيِّ:
“أنا واثقٌ أنَّها تستحقُّ أكثرَ منْ ذلكَ، عجبًا!”
لكنْ كي أكونَ مُنصِفةً، كانَ بإمكانِ الأستاذِ تخجيلي قائلًا: مادمتِ تعرفينَ الإجابةَ، لمَ سألتِ؟
ولذلكَ مازلتُ أثمِّنُ هذا الموقفَ لهُ، فقدْ كانَ المهمُّ عندي وقتَها أنْ أشعرَ أمامَ رفاقي أنَّني أعرفُ أكثرَ ممَّا وردَ في الكتابِ، وحينَ سألوني بعدَ انتهاءِ الدَّرسِ كيفَ عرَفتُ ما لمْ يعرِفوهُ، قُلتُ لهم بفخرٍ:
بابا علَّمني، بابا بيعرف كل شي! 
ميَّادة مهنَّا سليمان
 رصد نيوز الدولية رصد نيوز
رصد نيوز الدولية رصد نيوز
				 
						
					 
						
					 
						
					